تربية تقنية

post-thumb

هل ترغب أحياناً بأن ترجع الحياة عادية… أن تختفي الموبايلات وأن يعاود الناس النظر في وجوه بعضهم البعض بدلاً من الكلام والتخاطب عبر الشاشات… هل تحس بأن ابنك ينغمس ويتفاعل مع الشاشات بدون ادراك وأنك ترغب بأن يتطلع فيك بملء عينيه سامعاً كلامك بكل إصغاء كما ينغمس في مشاهدة التلفاز… هل تشعر بأن الحل هو في إلغاء كل الأجهزة التقنية تماماً من البيت؟ أن تقوم بفورة وثورة وتسن القوانين التي تمنع على كل ذي نفس امساك جهاز أو البحلقة في شاشة؟! أن تجبر الجميع على لعب المنوبولي وتركيب البزل؟ دعني أهمس في أذنك أن ذلك ليس هو الحل…

نعم ربما تأخرت في وضع قوانين الشاشات في منزلك ولكن الحل لا يكمن أبداً في اقصائها… الواقع الذي نعيشه اليوم هو واقع تكنولوجي… والشخص الناجح في عمله… أياً كان اختصاصه أو حرفته هو شخص متمكن من استخدام التكنولوجيا ومن تسخيرها لفائدته… وهذا بالضبط ما يجب علينا كأهل تعليمه لأولادنا… كما نعلمهم القراءة والكتابة… المشي والسباحة… أنت لا ترمي ابنك في الماء متوقعاً منه السباحة أو حتى الطوفان بدون تعليم… لا تعطيه مفتاح السيارة ليذهب بها إلى المدرسة متوقعاً منه القيادة بمهارة دون شهادة ودون تدريب… حتى أنك لا تشتري له لعبة دون التأكد من موافقتها وملائمتها لعمره…

ولكن الغريب أننا نعطي أولاداً في الثانية أو حتى أصغر من ذلك الموبايل دون أدنى إحساس بالذنب… نترك أطفالنا ليشاهدوا ما يعرضه عليهم اليوتيوب مرة وراء الأخرى دون أن نفكر أو أن نتخير أو حتى أن نضع حدوداً… ودون أن نشاركهم في الخيار أو أن نشرح لهم الأسباب… وربما نسمح لأولادنا المراهقين بتزوير أعمارهم حتى يستخدموا المنصات الاجتماعية كالفيسبوك أو الانستغرام دون رقابة أو توجيه…

نعم كما تلاحظون أننا نتخبط في هذا المنحى من التربية، والتي أسميها التربية التقنية أو التكنولوجية.

لكن لا داعي للإحساس بالذنب أو جلد الذات. التخبط وارد جداً بل طبيعي. لأننا أنفسنا لم نحظ بهذه التربية التقنية، وفاقد الشيء لا يعطيه. بل إننا كآباء وأمهات نواجه تحدياً مزدوجاً بخصوص كل ما يتعلق بالتكنولوجيا وكيفية إرشاد أولادنا عنها لأننا بحد ذاتنا لا نملك الأدوات الضرورية لذلك. لم نتعلم نحن كيف نبحر في عالم التقنيات صغاراً، وليس لدينا أي مراجع لتساعدنا كباراً. أضف إلى ذلك التسارع الرهيب الذي تتطور فيه الأجهزة والتطبيقات. ببساطة كل شيء جديد! ويجب عليك كأب أو أم أن تفهم التقنيات الجديدة وأن تتقن استخدامها وأن تعي مضارها وفوائدها عليك وعلى أولادك في آن واحد.

نحن نعيش في عالم محكوم بالتكنولوجيا. هذا يضيف مسؤولية جديدة مضاعفة علينا كآباء وأمهات. يجب علينا وعيها واستيعابها وحملها بكل أمانة. من واجبنا كأهل أن نتَعَلَّم ونُعَلِّم. أن نتعلم ونقرأ عن التقنيات الجديدة وأن نعلم أولادنا كيف يأخذون السمين ويتركون الغث في عالم مبهر مليء بالتقنيات والأجهزة. نعم هذا حمل ثقيل ومشكلة عويصة ولكن يجب دائماً أن نتذكر بأن التربية التقنية أو التكنولوجية لأولادنا أصبحت مهمة كأهمية تنشئة أجسامهم وعقولهم. لأن التكنولوجيا هنا لتبقى ولتستمر.