تأخر النطق والشاشات هل هناك علاقة؟

post-thumb

أحد الحكم المتوارثة الغير مكتوبة في عالم الأطفال هي القاعدة العامة التي تقول: “إن الطفل الذي يمشي مبكراً يتأخر بالكلام، ومن يتكلم مبكراً قد يتأخر بالمشي”. هذا الكلام غاية في المنطق وتدعمه العديد من الدراسات الحديثة.

لأن الحركة ببساطة تأسر خيال الطفل وتسحره وتمكنه من الانطلاق في عوالم وعوالم من الاكتشاف واشباع الفضول الذي يستهلك جزءاً لايستهان به من مقدرات الطفل الذهنية، لذا من الوارد جداً أن يتأخر بالنطق.

لأن تعلم اللغة يحتاج أيضاً إلى الكثير من التركيز والجهد العقلي من قبل الطفل، تركيز في حركة الشفاه وتعابير الوجه ومحاولة ربط الأصوات بالأشياء أو بالمشاعر حوله وهذه مهمة شاقة.

لكن ماالذي يحصل عند تعرض الأطفال للشاشات مبكراً؟ أي قبل بلوغهم العامين؟

نتحدث هنا عن الشاشات بشكل عام، قد تكون شاشة تلفاز أو جوال أو كومبيوتر لوحي أو حتى كومبيوتر عادي أو محمول. جميع هذه الشاشات على حد السواء تستهلك طاقة الطفل وتستنزف تركيزه.

فبدلاً من أن يجمع تركيزه لتعلم كلمة أو فهم مشاعر من أمامه أو تنسيق حركة يديه وقدميه لبلوغ هدف ما، فإنه يبقى مشدوهاً بتركيز كبير بالصور الكثيرة المتحركة والألوان المبهجة التي لاتعني له أي شيء.

إن عقل الطفل في هذه المرحلة من حياته مهيء لفهم الواقع المحسوس، لإختبار ملمس الأشياء وألوانها ورائحتها… شكلها وخصائصها… أصوات البشر… مشاعرهم وردات فعلهم… يحتاج لأن يمسك الأشياء وأن يهزها… أن يرميها على الأرض وحتى أن يجرب مذاقها… هكذا يستكشف العالم ويفهمه ويبدأ في تشكيل فهمه لمحيطه.

عند تسميره على شاشة ما، إنه سينبهر وسيحدق ويستغرق النظر فيما يقدم له. ولكن هذا لا يعني أبداً أنه يتعلم مما يظهر أمامه.

ففي عمر ما تحت السنتين لا يعني له ما يظهر على الشاشة أكثر من مجرد صوت مع بعض البهرجة، حركات مستمرة لأشكال ملونة لايستطيع عقله بعد ربطها بأي شيء واقعي. ولكن هذا الصوت وهذه البهرجة تستنزفان جزءاً مهماً من طاقاته العقلية التي كانت ستستخدم في تعلم اللغة مثلاً أو اتقان الحركة.

للأسف من الصعب ايجاد دراسات علمية تحدد تماماً مقدار تأثير الشاشات حصراً على نمو الطفل العقلي وقدراته اللغوية وخاصة في عمر صغير. ومن الأصعب أن نجد دراسات حديثة تواكب التطور السريع في عالم الشاشات والتقنيات. حيث أن دراسة أجريت في عام 2010 مثلاً تعتبر تاريخية مع التطور الرهيب في التقنيات وفي الأجهزة التي تغزو حياتنا.

لكن دراسة علمية أجريت بين عامي 2011 و 2015 في مشفى تورنتو للأطفال ممكن أن تقدم لنا فكرة عن تأثير الشاشات على نطق الأطفال. حيث تمت متابعة حوالي الـ 900 طفل بين عمر السنتين والست سنوات ووجد أن زيادة تعرض الأطفال للشاشات لمدة لا تتعدى النصف ساعة يومياً فقط أدى إلى تأخير النطق لحوالي نصف الأطفال. فلكم أن تتخيلوا مدى تأثير ساعات المشاهدة على الأطفال…

ما الحل إذاَ؟

الحل بسيط جداً على صعوبته في عصرنا الحالي وهواتباع ارشادات منظمة الأطباء العالمية بخصوص الشاشات للأطفال تحت عمر السنين والتي تنص ببساطة على ضرورة عدم تعرض الأطفال إلى أي شاشة بتاتاً هذا العمر الصغير وأن نحرص على أن نقدم للطفل بيئة غنية وآمنة وأن نقدم له الكثير والكثير من التواصل الشخصي. لأنه وببساطة… هكذا يتعلم الأطفال…